فخ القمار - ليون تولستوي

     Le Piège Du Jeu De Hasard  - Léon Tolstoï

    تمهيد للنص: كان "نيقولا روستوف" و "دولوخوف" صديقين حميمين، وحدث أن أحب "دولوخوف" "صونيا" وطلبها للزواج فرفضته لأنها كانت تحب " روستوف" فصمم على أن ينتقم من صديقه "روستوف" ويحطم حياته، فدعاه إلى حفلة وداعه قبل أن يعود إلى الجيش، وأغراه أن يشارك في لعبة القمار للتسلية، وانطلق "روستوف" في اللعب دون أن يعرف أنه وقع في الفخ:

    " بعد ساعة ونصف ساعة أصبح أكثر اللاعبين لا يلعبون إلا من باب التقيد بالشكل وانصب الاهتمام باللعب كله على "روستوف" وأصبح الدين المسجل عليه ألفا وستمائة روبل، بل عمودا من الأعداد، وكان قد جمعها فرأى أنها بلغت آلاف الروبلات، وقدر أن تكون الآن قد صارت زهاء خمسة عشر ألفا، مع أنها تجاوزت في الواقع عشرين ألفا. أصبح " دولوخوف" لا ينتبه إلى ما يقال ولا يقص حكايات. إنه يرصد كل حركة من حركات "روستوف"، ويلقي عليه نظرات خاطفة. كان قد قرر أن يستمر في اللعب إلى أن يبلغ المجموع ثلاثة وأربعين ألف روبل، لأن عدد "43" يساوي مجموع عمره وعمر" صونيا" وكان "روستوف" واضعا رأسه في يديه متكأ بكوعه على المائدة الملأى  بالتسجيلات، مبللا بالخمرة، مرتبكا بأوراق اللعب. وكان يعذبه إحساس غالب مسيطر: هو أن هاتين اليدين المعروقتين، البارزة عظامهما، الأحمر لونهما، اللتين يحبهما ويكرههما في آن واحد، يقبضان عليه قبضا، ويتحكمان فيه تحكما، فلا يستطيع أن يفلت منهما بحال من الأحوال.

"ستمائة روبل، آص، ضعف، تسعة... لم يبق سبيل إلى استرداد الخسارة!..آه...

    ولكن ماذا؟ ما هذا الذي يفعله؟ لماذا يعاملني هذه المعاملة؟..

 "عجيب إنه يعرف حق المعرفة ما لهذه الخسارة من شأن خطير عندي. هل يمكن أن يرغب في دماري وخرابي؟ لقد كان صديقي، وكنت أحبه. ولكن ما هذا الذي أقوله؟ هل الذنب ذنبه إذا واتاه الحظ؟ إنني لم أرتكب أي عمل سيئ، ولم أقتل أحدا، ولا آذيت أحدا، بل ما تمنيت أن يلحق بأي إنسان من الناس ضرر. فما هذا الحظ الرهيب الذي يدمرني؟ ومتى بدأ هذا الحظ الرهيب؟ منذ بضع لحظات كنت أدنو من هذه المائدة آملا أن أربح مائة روبل أشتري بها علبة الحلي التي كنت أود أن أهديها إلى ماما في عيدها، ثم أقفل راجعا على الفور. كنت عندئذ سعيدا سعادة عظيمة، كنت حرا حرية كبيرة، كنت مبتهجا ابتهاجا كثيرا! وكنت لا أدرك سعادتي ... متى حل محل تلك السعادة هذا الوضع الرهيب الذي أجدني فيه الآن؟ ما العلاقة التي تجلى بها هذا التغيير؟ إنني لم أغادر هذا المكان، ولم أكف عن تناول أوراق اللعب، ولم أنقطع عن المقامرة بها. ولم أتوقف عن النظر إلى هاتين اليدين الحاذقتين البارزة عظامهما. فمتى تم هذا، وما هذا على وجه الدقة؟ إن صحتي حسنة، وإني قوي الجسم، ومازلت أنا أنا ، مازلت في مكاني نفسه...فلا بد أن هذا كله ليس إلا حلما سيئا".

    وكان أحمر الوجه غارقا في عرقه، رغم أن جو الغرفة لم يكن حارا، وكانت هيئته تثير في نفس من يراها خوفا وشفقة في آن واحد، ولاسيما بسبب ما كان يبذله من جهود شاقة في سبيل أن يظهر هادئ النفس رابط الجأش.

    ووصل الحساب إلى الرقم المشؤوم: ثلاثة وأربعين ألف روبل. وكان "روستوف" يتأهب لمضاعفة الحطة التي ربحها وهي ثلاثة ألاف روبل، فإذا بـ "دولوخوف" يرمي الورق على المائدة محدثا ضجة، ويأخذ يحصي مجموع ما على "روستوف" ولما كان يضغط الطبشورة ضغطا قويا لرسم أرقام كبيرة تسهل رؤيتها، وانكسرت الطبشورة بين أصابعه، فقال:

-   آن أوان العشاء يا سادة، وهاهم البوهيميون قد وصلوا!       

وكان عدد من رجال ونساء سمر الوجوه يدخلون الغرفة فعلا، حاملين إليها من الخارج بردا، ويمازح بعضهم بعضا بلغة أهل "بوهيميا" فأدرك نيقولا أن كل شيئ قد انتهى ولكن ذلك لم يمنعه أن يقول بلهجة المتظاهر بقلة الاكتراث، كأنما لا يحضه على هذا السؤال إلا تلذذ المقامرة لا أكثر:

-    ماذا؟ أتكف عن التوزيع؟ لكنني هيأت ورقة..

وقال محدثا نفسه: " انتهى كل شيء هلكت. لم يبق علي إلا أن أطلق رصاصة في رأسي".

الحرب والسلم (2) 119-122

الأسئلة:

1-   ماالذي حفز "روستوف" على اللعب في البداية؟ ولماذا ظن أنه سيربح؟ وماذا أعد له "دولوخوف"؟

2-   وضح التغيرات التي طرأت على "روستوف" أثناء لعبه وخسارته في مظهره ونفسيته؟

3-   ما النهاية التي تتوقعها لروستوف في الرواية: الانتحار أم مصارحة أهله بخسارته هذا المبلغ الضخم الذي سيحولهم من أغنياء إلى فقراء؟ ضع النهاية التي تفترضها في فقرة أو فقرتين، ثم طالع في الرواية تتمة الموضوع.

4-    ما وجوه التشابه بين إدمان المخدرات وإدمان القمار وإدمان الخمر؟

5-  ماذا يفعل القمار بالصداقة وبالعلاقات العائلية؟ وضح ذلك بأمثلة.

6-   ما غرض الكاتب من طرح هذا الموضوع؟

7-   ما التقنية التي استعملها الكاتب ليطلعنا على تفكير المقامر أثناء اللعب؟ وما ميزتها في نظرك؟

8-   حدد نوع انفعالات المقامر أثناء اللعب، واذكر درجة نجاح الكاتب في إبرازها؟

9-   ما نوع العاطفة التي تحس بها نحو كل من "روستوف" و"دولوخوف" ؟

 

من كتاب "المواضيع الاجتماعية"                     

الفصل الثاني: مقتطفات من المواضيع الاجتماعيّة